Thursday 16 June 2011

النظام السوري وتركيا الأردوغانية: الدعارة السياسية في صورتها القصوى .. فجورا


النظام السوري منح الأتراك ما لم يتجرأ أي نظام سابق على منحهم إياه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، والأتراك قلبوا ظهر المجنّ لحليفهم وأجيرهم .. بعدما اعتصروه واستحلبوه حتى آخر نقطة
دمشق ، استانبول ـ الحقيقة ( + وكالات): لم يتردد المبعوث الرئاسي السوري إلى تركيا ، العماد المتقاعد حسن تركماني ، في وصف تركيا يوم أمس بـ "الدولة الشقيقة" . وقد جاء هذا الوصف بعد أيام قليلة وحسب من قيام "منظمات شعبية" سورية مؤيدة للسلطة في دمشق ، أو بالأدق " شبيحة السلطة"، برفع العلم الإسرائيلي والعلم التركي في شوارع دمشق على إحدى لافتاتهم باعتبارهما "وجهين لعملة واحدة". كما جاءت تصريحات توركماني بعد "حملة إعلامية" استمرت طيلة الأسبوع الماضي في وسائل الإعلام السورية الرسمية وغير الرسمية ، ومعها شقيقاتها اللبنانيات ، تحدثت عن وجود "خطة أميركية لتدخل عسكري تركي محدود في منطقة الحدود المشتركة بين البلدين ، لاسيما محافظة إدلب ".
  لم يكتف النظام السوري بذلك ، بل ذهب في حملته التشهيرية ضد تركيا الأردوغانية خلال الأيام الماضية ( لاسيما عبر قناة " الدنيا") إلى حد فبركة أخبار تقول إن الحكومة التركية " تقدم عشرين ألف دولار لكل عائلة سوريا تلجأ إليها ، متبعا إياها بإهانة صفيقة للسوريين اللاجئين حين اتهم هذا الإعلام " معظم هؤلاء اللاجئين بالفرار إلى تركيا فقط من أجل الحصول على هذا المبلغ"! ذلك في الوقت الذي كانت فيه مديرة التلفزيون المقالة ، المعتوهة ريم حداد ، تقول لمحطة "بي بي سي" إن السوريين الذين توجهوا إلى تركيا " ذهبوا لزيارة أقاربهم ، وليسوا لاجئين"!؟
   زوار أم مترتزقة ؟ هذا ما لم يثبت عليه إعلام السلطة بعد ، ويبدو أنه لن يثبت في هذه قبل أن يثبت على توصيف محدد لـ"العصابات المسلحة"!؟
   بالتزامن مع ذلك ، أو قبله أو بعده .. لا فرق ، كان "شبيحة السلطة" يتظاهرون أمام السفارة التركية احتجاجا على سياستها ، ملوحين بالمطالبة باستعادة لواء اسكندرونة الذي تنازل عنه النظام السوري بمقتضى اتفاقية سرية لم يطلع عليها  ولم يرها حتى أعضاء "مجلس شعبه" كما يفترض أن يجري في حالات مشابهة!
   هذه المظاهر ، وكما لاحظ أحد المراقبين ، كانت المرة الأولى التي يساوي من خلالها مؤيدو النظام بين تركيا الجارة والصديقة وإسرائيل العدو اللدود! ويبدو بعد ذلك أن شهر العسل بين النظام السوري وحكومة حزب العدالة والتنمية التركية انتهى، ليبدأ شهر عسل الشعب السوري والحكومة التركية، وقد قالها صراحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عشية الانتخابات، أن «علاقات تركيا هي بالشعب السوري وليست بالنظام».
 المفارقة المذهلة الأخرى ، وهذه المرة على مستوى شعب "الانتفاضة السورية" ، جاءت من ريف دمشق ، وبشكل خاص من داريا وسقبا وعربين وسواها ، حيث تقوم صناعة عريقة للمفروشات والموبيليا المنزلية والمكتبية. وقد تبين أن الدافع الأول للتظاهرات التي جرت في هذه المناطق لا علاقة له بالديمقراطية أو بالحرية أو بالكرامة أو بالمادة الثامنة من الدستور التي ربما لم يسمع بها أحد من المتظاهرين من قبل، بل كان احتجاجا على الدمار والخراب الذي أنزلته بهم المفروشات التركية التي اجتاحت السوق المحلية ، كما اجتاحت الصناعات التركية الأخرى ، النسيجية والجلدية وغيرها ، سوق نظيرتها السورية ، وكانت في أمكنة عديدة سببا مباشرا أيضا للتظاهرات ، أو على الأقل الفتيل الذي أشعل شرارتها! ومع ذلك ، فإن هؤلاء لا يترددون في رفع شعارات الامتنان لتركيا ورئيس وزرائها !؟
هذا على مستوى دعارة النظام السوري. ولكن ماذا على مستوى دعارة أردوغان وحزبه ودولته!؟
لقد حصلت تركيا من السلطة السورية ، سواء في عهدي الأسد الابن أوالأب ، على ما لم تحصل عليه منذ جلاء العصابات الانكشارية العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، وما لا يمكن أن تحصل عليه في عهد أي نظام سوري مستقبلا ، حتى وإن كان نظاما مغرقا في عمالته لقوى الخارج . وإليكم جردة بأهم ما حصلت عليه:
أولا ـ إنهاء قضية لواء اسكندرونة . فرغم أن القضية بقيت معلقة منذ اغتصاب هذه القطعة من الأرض ، الأكثر خصوبة في سوريا ، في العام 1939 بتواطؤ فرنسي خسيس ، لم يتجرأ أي من الأنظمة السورية السابقة ، حتى تلك التي صنعت في أقبية الاستخبارات الأجنبية ، على اقتراف هذه الخيانة الوطنية السافرة.
وكان التنازل غير المعلن عن لواء إسكندرون، دون أي اعتبار لشعار كان مكتوبا على جدران المدارس وهو تعهد حافظ الأسد بعدم نسيان لواء إسكندرون، إذ تم وفي وقت مبكر منذ عام 2002 طرح خرائط جديدة لسوريا في السوق وقد اقتطع منها اللواء. كما منعت وزارة الإعلام أطلس الخرائط من التداول تلبية لطلب تركيا لتضمنه خرائط فيها سوريا كاملة واللواء جزء من أراضيها. هذا ناهيك بالقطعة النقدية من فئة ألف ليرة التي طبعت عليها خريطة سوريا وقد اقتطع منها اللواء. وحينها أثارت تلك الإجراءات الكثير من الاستغراب والتساؤلات، دون أن يجرؤ أحد على طرحها علنا، إذ منع تماما مقاربة موضوع اللواء حرصا على تحسين العلاقات مع تركيا، وحرصا على هذه العلاقات بدأت ورشات عمل ثقافية بالعمل على تغيير النظرة العربية لفترة الحكم العثماني، الذي ترسخ في المناهج الدراسية كحقبة استعمارية استبدادية، تمثلت في مسلسلات دراما تلفزيونية حققت رواجا في العالم العربي عن الاستبداد العثماني. وكل تلك كان على السوريين أن يسحبوها تدريجيا من التداول خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنها عادت لتتصدر الشاشات السورية مع بدء تردي العلاقات مع تركيا.
 ثانيا ـ توقيع اتفاقية أضنة الأمنية السرية في العام  1998 . ويظهر أي تدقيق في نصوص الاتفاقية ، كما نشرتها "الحقيقة" قبل سنوات ، أنها ترقى إلى مستوى الخيانة الوطنية . فهي تتضمن تفريطا بالسيادة الوطنية لم تتضمنه حتى اتفاقية " كامب ديفيد" بين السادات وإسرائيل. ذلك أنها تسمح في أحد بنودها للجيش وقوى الأمن التركيين بالتوغل داخل الأراضي السورية لمطاردة " إرهابيي حزب العمال الكردستاني" حتى عمق 15 كم!؟
ثالثا ـ تسليمها عبد الله أوجلان من خلال عملية استخبارية في منتهى الدناءة ( بغض النظر عن موقفنا السياسي من أوجلان وحزبه)، تمثلت في إرسال صورة عن جواز  سفره القبرصي المزيف ( الذي استخرجته له المخابرات السورية) إلى انقرا بعد إبعاده عن سوريا ، لكي تتمكن المخابرات التركية ( ومعها الأميركية و " الموساد" كما قيل في حينه) من مطاردته واعتقاله.
رابعا ـ اتفاقيات اقتصادية لا يمكن لأي حكومة كومبرادورية عميلة في سوريا أن تبرمها مع أي دولة أخرى. وهي اتفاقيات أقل ما يقال فيها إنها "عقود بيع للسوق السورية بالجملة "إلى شركات النهب التركية . وقد أدت هذه الاتفاقيات إلى فتح السوق السورية على مصراعيها أمام الأتراك ، وبالتالي إلى تدمير وخراب قطاعات واسعة من الصناعات السورية التحويلية ، الصغيرة والمتوسطة ، وإحالة عشرات الألوف من العاملين فيها إلى سوق البطالة. وكان من الملاحظ أن الاستثمارات التركية في القطاعات الصناعية السورية المنتجة لم تتجاوز الصفر تقريبا ! هذا في الوقت الذي تركزت فيه الاستثمارات الإيرانية في سوريا ( لمن يحب المقارنة بين الدورين التركي والإيراني من أوباش تسعير الحقد المذهبي في سوريا والمنطقة ) في القطاعات الصناعية الثقيلة ومتمماتها ( السيارات ، الإسمنت ، البتروكيماويات ، الصناعات الهندسية الأخرى .. إلخ). وقد أدت إلى امتصاص عدد هام من الأيدي العاملة السورية ، وزيادة القيمة المضافة المحلية في القطاع الصناعي المحلي . هذا إذا وضعنا جانبا أن إيران دفعت أكثر من 75 بالمئة من إجمالي ثمن صفقات السلاح التي أبرمتها سوريا مع روسيا لتحديث الجيش السوري خلال السنوات الأخيرة ( بطاريات صواريخ دفاع جوي حديثة ، طائرات ، تحديث الطائرات الموجودة أصلا ، مدرعات ودبابات وتحديث الموجود منها ، صواريخ مضادة للدروع من أحدث ما أنتجته المصانع الروسية والصينية ، صواريخ أرض ـ بحر .. إلخ). وتقدر معاهد الدراسات الدفاعية الغربية قيمة ما دفعته إيران في مجال تحديث الجيش السوري بأكثر من 6 مليارات دولار منذ العام 2006!
خامسا ـ  تسليم سوري ، حتى إشعار آخر ، بالاتفاقية " الشفهية" القديمة لتقاسم مياه نهر الفرات. وهي اتفاقية مجحفة بحق سوريا إلى أبعد الحدود . وقد أدت مفاعيلها ( بالتضافر مع السياسية الزراعية والمائية الإجرامية للسلطة السورية) ، فضلا عن مفاعيل السياسة التركية لجهة ما يتعلق بنهر دجلة  وروافد نهر الخابور ، إلى تدمير القطاع الزراعي الذي كان مفخرة سوريا ، وانتزاع عشرات الألوف من أراضيهم وتحويلهم إلى نازحين في بلادهم! والأخطر من هذا كله ، تحويل سوريا من بلد مصدر للقمح ، إلى بلد مستورد له ، بكل من ينطوي عليه ذلك من " انكشاف استراتيجي" لجهة ما يتعلق بالأمن الوطني ، السياسي والغذائي. 
سادسا ـ ضرب القطاع السياحي في سوريا من خلال تحول وجهة السياحة الداخلية السورية إلى تركيا بتواطؤ من عصابات الصناعة السياحية المتولدة في ركاب مافيات السلطة .
إنها ، باختصار، عملية " احتلال عثمانية" تحت أقنعة جديدة ، و دعارة سياسية مثلثة الأطراف :
ـ دعارة سياسية من قبل السلطة التي أرادت من الشارع ، رغما عنه ، التصفيق لسياستها الخيانية المتمثلة بتسليم مقدرات البلاد إلى العثمانيين الجدد على طبق من فضة ؛ ثم تريد الآن من الشارع نفسه النظر إلى تركيا على أنها عدو متآمر .. مثلها في ذلك مثل إسرائيل.
ـ دعارة سياسية من قبل " العثمانيين الجدد" أنفسهم ، الذين سارعوا إلى قلب ظهر المجنّ للنظام السوري ما إن حصلوا منه على ما يريدونه. ويريدون منا الآن أن نصدق أن موقفهم الجديد من النظام السوري صادر عن " دوافع الأخوة الإسلامية والإنسانية"! ( من يحب شعبا آخر لا يسرق أرضه ولا مياهه ولا سواحه ولا سوقه الوطنية ، ولا يشرد عشرات الألوف من عماله بعد تدمير صناعاتهم . هذا فضلا عن أن الذي يتبجح الآن بالدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا غارق حتى أذنيه في عملية التطهير العرقي ضد ملايين الأكراد في بلاده ، بما في ذلك حرق قراهم ودساكرهم وأرزاقهم ، فضلا عن التمييز الطائفي ضد عشرة ملايين مواطن تركي آخر لا يعترف حتى بحقوقهم الدينية البسيطة كأماكن العبادة الخاصة بهم).
ـ دعارة سياسية من قبل قسم كبير من الشارع  السوري نفسه ، الذي رفض ضمنا الممارسات التركية المشار إليها  لكنه لا يتردد الآن في رفع القبعة للعثماني الجديد لمجرد منحه بعض الخيام التي ينام فيها ، متناسيا أن ما يمنحه إياه الآن هو مجرد نقطة من بحر ما سرقه منه ( يعني ، وكما يقول المثل الدارج : "من دهنه قلـّيه").