Tuesday 14 June 2011

الإخوان المسلمون والسياسة: الديموقراطية حفلة تنكرية!؟

مقال بقلم الشاعر المصري: أحمد عبد المعطي حجازي

قد يظن البعض ان اخوان الامس الذين كانوا يتحدثون عن احياء الخلافة غير اخوان اليوم الذين يرفعون شعار الدولة المدنية، والحقيقة انه لم يتغير الا بعض الوجوه والاسماء والالفاظ.
يلاحظ المستشار طارق البشري وهو يتحدث عن جماعة الإخوان المسلمين ويتابع نشاطها منذ ظهرت في أواخر العشرينات‏،‏ الى أن صدر كتابه الحركة السياسية في مصر في أوائل السبعينات من القرن الماضي، أن الإخوان لم يكونوا واضحين أبدا في تقديم أنفسهم أو في تحديد أهدافهم ووسائلهم، بل كانوا في معظم الأحوال غامضين مراوغين يتهربون من الإجابة، ويستعينون على قضاء حوائجهم بالكتمان!
في عام 1941 عقد الإخوان مؤتمرهم السادس الذي حاولوا أن يجيبوا فيه على السؤال الموجه لهم: من أنتم؟ فماذا قالوا؟ قالوا: الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية؟! وهي إجابة مرواغة معناها أننا لسنا محصورين في مجال أو نشاط محدد، وإنما نحن موجودون في كل مجال وفي كل نشاط، وإذن فلن تستطيعوا أن تمسكونا، اذا اعتبرتمونا جمعية دينية سنقول لكم بل نحن حزب سياسي، واذا طالبتمونا بالتزام قواعد النشاط السياسي سنقول لكم بل نحن طريقة صوفية!
والإخوان لا يكتفون بتضليل السلطات ومراوغة الخصوم، وانما يراوغون أنفسهم ويغرقون أنصارهم في أفكار ضبابية وعبارات مجازية تصلح لإثارة العواطف أكثر مما تصلح للتعريف والتحديد.
والمستشار البشري يعتقد أن هذا الغموض كان مقصودا، أي أنه كان نوعا من التقية التي تلجأ إليها بعض التنظيمات السرية. يقول عما استفاده تنظيم الإخوان من هذا الأسلوب المراوغ إن الجماعة استطاعت أن تنمو تحت ستار الدعوة الدينية حين تمنعها السلطات من ممارسة النشاط السياسي، وكانت تنغمر في الصراعات السياسية حين تكون السلطة ضعيفة.
لكننا سنكون سذجا اذا اعتبرنا هذا الغموض الذي يلجأ إليه الإخوان مجرد وسيلة للتستر أو الهرب من الملاحقة، فالحقيقة التي يجب ألا تغرب عن بالنا هي أن الإخوان يرفضون حصر نشاطهم في مجال واحد حتى يتمكنوا من الانتشار في كل مجال والسيطرة على كل نشاط.
الجمعية الدينية وظيفتها معروفة، والإخوان لا يريدون أن يحصروا نشاطهم في الوعظ والإرشاد، والحزب السياسي أيضا نشاطه معروف محدد، يشرح أفكاره، ويعلن برنامجه، ويعرض نفسه على الناخبين فإن فاز بثقتهم شكل الحكومة، لكن تشكيله للحكومة لا يمنحه السلطة المطلقة، فالأحزاب المعارضة نشيطة، والصحافة حرة، والرأي العام مراقب يقظ، والانتخابات المقبلة تفتح المجال لتغيير الحكومة وتداول السلطة، وهذا ما لا يريده الإخوان المسلمون!
الإخوان المسلمون لا يقبلون أقل من السلطة المطلقة التي يسيطرون بها على الدولة والمجتمع، ويبقون فيها دون تسمية لأجل ودون تحديد لفترة. باختصار، الإخوان يريدون السلطة التي كان يتمتع بها الخلفاء والسلاطين في العصور الوسطى، يريدونها بالشروط التي كانت فيها السلطة في تلك العصور مطلقة وشمولية، فلا معقب لحكم الحاكم، ولا حدود لسلطاته، ولا رادّ لقضائه، من هنا سعيهم لإحياء الخلافة التي سقطت منذ عقود طويلة ولم يعد لها مكان في هذا العصر، ومطالبتهم بنظام سياسي يتحدث عنه حسن البنا ويعتبره نظاما جديدا فيقول: لابد من جديد في هذه الأمة، هذا الجديد هو تغيير النظم المرقعة المهلهلة التي لم تجنِ منها الأمة غير الانشقاق والفرقة، وهو تعديل الدستور تعديلا جوهريا توحّد فيه السلطات.
هكذا يبشر حسن البنا بنظام استبدادي لا يميز بين تشريع وتنفيذ، ولا يضمن للمصريين حرية أو عدالة، وهكذا يغازل القوى الرجعية وحكومات السراي التي أوقفت العمل بدستور 1923 الديموقراطي وزيّفت نتائج الانتخابات واضطهدت المفكرين والكتاب الأحرار كما فعلت حكومة محمد محمود، وحكومة إسماعيل صدقي، وحكومة حسين سري، وحكومة علي ماهر وسواها من الحكومات والحكام الذين تحالفوا مع الإخوان في ثلاثينات القرن الماضي وأربعيناته وخلعوا حمايتهم عليهم وسلطوهم على أحرار الفكر وأنصار الدستور وزعماء الحركة الوطنية الذين وقف لهم حسن البنا يهددهم ويحرض عليهم أنصاره قائلا لهم ستخاصمون هؤلاء جميعا (الأحزاب ورجال السياسة) في الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة، في الوقت الذي كان يتوجه فيه للملك قائلا بخشوع وإن لنا في جلالة الملك المسلم أملا!
ويواصل البشري حديثه عن العلاقة الخاصة التي ربطت بين الإخوان المسلمين والأحزاب التي انشقت عن الوفد وتحالفت مع الملك فينقل لنا شهادة أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة حول هذا الموضوع، يقول إنه لما قامت الحرب أودع أحمد حسين وزملاؤه معتقل الزيتون وأوقف كل نشاط لهم، وإن حسن البنا وقادة الإخوان اعتقلوا في مستهل الحرب كغيرهم، فما راع المعتقلين إلا أن حضر الى المعتقل حامد جودة (الوزير السعدي في وزارة حسين سري 1941) واجتمع بحسن البنا ساعات عدة ثم أفرج عنه بعد أيام، ويفسر أحمد حسين هذا الافراج الغريب بأنه كان رغبة في أن يستغل حزب السعديين حركة الإخوان في دعم نفوذ الحزب.
هكذا، في ضوء نشاط الإخوان وسلوكهم السياسي وما كان بينهم وبين القوى الفكرية والسياسية المختلفة من خصومات وتحالفات، نفهم كلامهم ونكشف ما فيه من غموض، فعداء الإخوان للديموقراطية عداء دائم وسياسة ثابتة متبعة لا يحيدون عنها. وكما تحالفوا مع رجال السراي في العهد الملكي تحالفوا مع ضباط الانقلاب بعد ذلك.
والإخوان لا يقولون: نحن ضد الدستور! لكنهم يقولون: القرآن دستورنا، وإذن فلا حاجة بنا لدستور نضعه لأنفسنا، أو قانون ننظم به حياتنا التي تتغير كل يوم وتتطور، والإخوان لا يقولون إنهم ضد الدولة المدنية، لكنهم يسعون لإحياء الخلافة، ويزعمون أن الدولة الإسلامية دولة مدنية، وليست دولة دينية؟ والإخوان المسلمون لا يقولون إنهم ضد تداول السلطة، لكنهم ينادون بحل الأحزاب، ويعتبرون تعدد المنابع الفكرية هرطقة واختلاف الطرق تفرقا وانقساما، هؤلاء كيف لهم أن يدخلوا في حوار، أو يبحثوا عن الحقيقة ولا يستبعدون أن يجدوها لدى الخصوم؟ وكيف لهم أن يقبلوا اختلاف الرأي؟ وكيف ينزلون عند حكم الغالبية؟
ولقد يظن بعضنا أن إخوان الأمس الذين كانوا يتحدثون عن إحياء الخلافة غير إخوان اليوم، الذين يرفعون شعار الدولة المدنية، وأن الذين كانوا يهاجمون الأحزاب في أربعينات القرن الماضي غير الذين أصبحوا يعلنون كل يوم عن حزب جديد، لكن بعض الظن إثم، وإخوان اليوم هم إخوان الأمس، ولم يتغير في الإخوان إلا بعض الوجوه وبعض الأسماء وبعض الألفاظ.
بالأمس كانوا يتحدثون عن الخلافة، واليوم يتحدثون عن دولة مدنية بمرجعية إسلامية، أي دولة مدنية بمرجعية دينية، وهذا خلط غير مفهوم، فالدولة إما أن تكون مدنية وإما أن تكون دينية، والخلط بينهما تزييف وتضليل. وبالأمس كانوا جماعة دينية وهيئة سياسية كما كان يقول حسن البنا، واليوم وزع الإخوان أنفسهم على الحزب والجماعة، أي على الدين والسياسة، فلم يعد التمييز ممكنا لا بين الحزب والجماعة، ولا بين السياسة والدين، وهكذا يواصل الإخوان المسلمون أسلوبهم في المراوغة والتخفي، لأن الديموقراطية بالنسبة لهم حفلة تنكرية يشاركون فيها ليستولوا في نهايتها على السلطة، وعندئذ تسقط الأقنعة، وتنكشف الوجوه!
"الأهرام"