Tuesday 14 June 2011

ما الذي جرى ويجري في جسر الشغور : تمرد عسكري أم " ذبح جماعي" للمدينة!؟

عرض لتقارير عدد من الصحف البريطانية حول ما جرى ويجري في "جبل الزاوية" وخلفياته وأبعاده
لندن ، الحقيقة ( صحف) : تركت العملية التي قام بها الجيش السوري في معقل 'الثورة' جسر الشغور، اثارها البالغة على المدينة وما يحيط بها من مزارع وقرى، فبالاضافة لتهجير الالاف منها الذين عبروا لتركيا تعرض الفلاحون ومزارعهم للضرر، حيث احرق الجيش الحقول المحيطة بالمدينة من جهة الشمال.
ووصف التلفزيون الرسمي العملية بأنها مواجهة مع جماعة مسلحة مدعومة من الخارج. ومع تواصل العمليات والتظاهرات في كل المدن السورية من حمص وحماة الى اللاذقية تتوقع تركيا تدفقا في اللاجئين بالمئات على حدودها.
ووصفت تقارير بريطانية جسر الشغور بالمدينة الخالية حيث هرب معظم سكانها للجبال، فيما استطاع المحظوظون منهم العبور الى تركيا- انطاكية. وتتزايد الدعوات في الغرب لشجب سورية في مجلس الامن، فيما تستبعد الحكومة الامريكية واوروبا تدخلا على غرار ليبيا. وتعترف معظم الصحف البريطانية بصعوبة تجميع خيوط الحكاية وما حدث في جسر الشغور، نظرا لانقطاع خطوط الهواتف والحظر الذي تمارسه الحكومة السورية على الصحافة الاجنبية.
وتشير تقارير الهاربين واللاجئين في انطاكية - جنوب تركيا الى ان الكثير من الاهالي الذين هربوا للجبال يخشون من فقدانهم الاتصال مع اقاربهم ان قطعوا الحدود الى تركيا.
وحسب روايات اللاجئين فقد اطلقت المروحيات السورية النار على المدنيين، واستهدفت سيارات الاسعاف ووصفوا المشهد بالمذبحة. وما تكشفه الروايات ان من بقي داخل المدينة هم من 'المتمردين على الجيش' الذي ارادوا الدفاع عنها ومواجهة الجيش.
ونقلت 'الغارديان' عن مواطنين قولهم ان عددا قليلا من الجنود هربوا من وحداتهم ـ 15 جنديا مما دعا الحكومة لارسال مخبريها للمدينة لتقييم الوضع خاصة بعد هروب جماعي في الخامس من الشهر الحالي. ونقلت 'التايمز' عن شهود قالوا ان الجيش السوري كان يطلق على اي شخص، وقال الشاهد الذي يدعى موسى انه رأى بأم عينيه الجيش يطلق النار على صبيين وانه داهم بيوتا واخرج من فيها.
وقال موسى وهو ليس مواطنا في المدينة بل في عين البيضا القريبة منها انه قام بـ 12 رحلة الى المدينة كي يبحث عن مصير من تبقى من المدينة ويخبر اللاجئين. وقال موسى انه شاهد سكانا يهربون ويختبئون في بساتين الزيتون. وقدم موسى صورة اخرى عن القصف العشوائي، على مستشفى المدينة، والبريد ومقر حزب البعث، وقاموا بحرق مركز الاستخبارات لاظهار ان الجيش يقاوم متمردين مسلحين. ويعتقد ان عدد الهاربين من المدينة ممن يهيمون على وجوههم اكثر من 10 الاف. وفي رواية اخرى قدمتها 'اندبندنت'جاء فيها ان معظم سكان المدينة هربوا وبدت الشوارع ليلة الاحد مقفرة من السكان ومن بقي فيها، ويقدرون بمئتي شخص اما قتلوا او اعتقلوا.
واشارت الى قتال شرس في شوارع المدينة حيث نقلت عن مواطنين ان المعارك دارت بين الجيش وجنود هربوا منه او من قوات الامن. وقالت ان العمليات ضد جسر الشغور ومعرة النعمان وجبل الزاوية وادلب قادته الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الاسد، شقيق الرئيس. ودعمت الفرقة بمجموعة من المخابرات والشرطة السرية والشبيحة.
وبعيدا عن روايات الشهود قال تقرير في صحيفة 'نيويورك تايمز' اعده مراسلها في القاهرة ان المعركة في جسر الشغور قد تكون حاسمة للطرفين. كما ان المعركة هذه تمثل تحولا خطيرا، واظهرت ان الحكومة قد تخلت عن كل المظاهر التي عبرت فيها عن استعدداها للحوار واجراء اصلاحات ديمقراطية. كما ان المعركة نفسها تزيد من الضغوط على دول الجوار التي ظلت حذرة من انتقاد الاسد الا تركيا، خشية تعرضها لاعمال انتقامية.
ومن ناحية اخرى وخطيرة فجسر الشغور قد تمثل اتجاها جديدا داخل الجيش حيث يرفض الجنود اوامر الضباط لقمع الانتفاضة. ونقلت عن خالد وعمره 19 عاما قوله ان هرب من الجيش بعد ان ارسل لقمع ابناء مدينته، وقال انه قرر الانشقاق بعد ان شاهد كل القمع الممارس على مدينته. وعلقت الصحيفة قائلة ان مخاوف الانشقاق ادت بالاسد لارسال اهم الوحدات الموالية له للمدينة، فهذه الوحدة مكونة من جنود من ابناء الطائفة خلافا للجش المكون من ابناء السنة المجندين.

الاسد لم يعد يحكم

وينظر الكثير من المحللين في الصحف البريطانية الى ان الخيار الامني الذي يمارسه النظام ضد الانتفاضة يعني ان الاسد فقد السيطرة، وبحسب دبلوماسي غربي نقلت عنه 'الغارديان' والذي قال ان الطريقة الوحيدة لوقف العنف هي 'قيام بشار الاسد بالانقلاب على نظامه'، وعليه ان 'يتحول لمنشق' ولكنه ليس قادرا على هذا لانه من العائلة. وفي تحليل كتبه في نفس الصحيفة سيمون تيسدال، اشار فيه الى تصريحات وزير الدفاع الامريكي، روبرت غيتس التي اقترح فيها ان الاسد لم يعد قادرا على حكم سورية.
ويقول الكاتب ان المجتمع الدولي عليه التفكير بالرد القاسي الذي قام به النظام كي يفهم ان الاسد فقد الوجهة. فهناك عدد من المفاتيح التي تؤشر الى معضلة النظام وتوسع دائرة الخلاف الداخلي، خاصة مع تزايد الحديث عن حالات الانشقاق داخل الجيش، واشار الى تقارير صحيفة 'حريت' التركية التي تحدثت عن انشقاقات ونقلت عن جندي انشق في جسر الشغور. فالحديث عن رفض الاوامر وقتل من رفضوا الانصياع لها ذكر في اثناء عمليات الجيش في درعا وحمص، ونفس الامر في جسر الشغور التي جاءت على خلفية مقتل 120 من الجنود يقول السكان انهم قتلوا من قبل زملائهم.
ويرى ان اختفاء الاسد من اسابيع وعدم ظهوره، وقيادة شقيقه العمليات وشكوى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون من ان الرئيس يرفض الرد على مكالماته يعني ان بشار لم يعد يقود. ويشير الكاتب الى ان الاقتصاد يعاني من استمرار الاوضاع وطريقة الرد الامنية على الانتفاضة تزيد من الاوضاع سوءا ومن فهناك سيناريوهان اما دخول البلاد في حرب اهلية طائفية الطابع او تدخل تركي. ويعتقد محلل ان التدخل التركي غير مطروح، لكن الجيش قد يقوم برسم منطقة امنة داخل الاراضي السورية مما يعني تحولها الى مركز لنشاطات المعارضة مما سيفتح الباب لتدخل اجنبي.

ذبح والعالم يتفرج

وفي افتتاحيتها قالت 'الغارديان'، قارنت بين ثورات التغيير في اوروبا عام 1989 والتي تراوحت بين التحول السلمي الى المواجهات الدموية. وعليه فربيع العرب عام 2011 مثل اوروبا متنوع بين الثورة السلمية في تونس ومصر والمواجهات الدموية في اليمن وسورية وليبيا. وتعتقد ان اي حديث عن بشار الاسد الاصلاحي قد تبدد الآن في غبار الهجوم الشامل على جسر الشغور.
وتقول ان المدرسة الغربية التي ظلت ترى ان حاكما قويا افضل للشرق الاوسط من فوضى، وهذه النظرية وان استندت على ما حدث في العراق بعد الاطاحة بصدام حسين الا انها لم تعد مهمة في ضوء الشكوك حول قدرة عائلة الاسد على الاستمرار في السلطة. ومع تواصل القمع الذي يولد القمع فعلينا ان لا نندهش من الطريقة التي يقوم فيها السوريون باعادة تعريف المعركة مع النظام المستبد بناء على العقيدة والاثنية. ومن هنا فانه في حالة دخول العنصر الطائفي للجيش فالاسد لن يكون قادرا على دفع الجيش لقمع الشعب وبالتالي يفقد قدرته. اما الامر الاخر، فالمشكلة الان تتحول بسرعة من مشكلة سورية الى مشكلة عالمية، ففي الاشهر السابقة كان تدفق اللاجئين قليلا وهم يحملون معهم قصصا مرعبة، الا ان الوضع تحول الى مشكلة تدفق كبير على تركيا. كل هذا يستدعي ردا قويا، مشيرة الى الحديث عن قرار لمجلس الامن. وتقول ان فكرة استخدام المروحيات والدبابات من قبل القذافي ادت الى فتح نار الناتو عليه.
وترى العمل العسكري ليس واقعيا وان سلسلة من العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية قد تؤثر على النظام، كما ان هناك غيابا في الدعوات التي تطالب الاسد بالرحيل، ووجهت انتقادا للصين وروسيا، والحل الآن بيد تركيا التي قد تقود الناتو وهي عضو فيه الى عمل حاسم خاصة ان شعرت ان الوضع بات يهدد مصالحها القومية، وبدون عمل فالعالم سيدفع الثمن غاليا من خلال التظاهر ان مشكلة الاسد هي مشكلة طرف آخر.

دولة منبوذة

في 'التايمز' التي اهتمت بالحدث السوري على صفحتها الاولى ونقلت صورة درامية للوضع في جسر الشغور، دمار كامل للزرع والضرع وحرائق وبنايات وبشر ودبابات ومروحيات، حيث قرر ماهر الاسد تبني سياسة والده وتوجيه ضربة حاسمة للانتفاضة 'ذبح بالجملة'.
وقالت ان النظام البعثي يظهر بنفس الصورة التي ظهر فيها نظام صدام والقذافي 'مستبد، قاس، كذوب'، مشيرة الى فرق الموت التي يرسلها للقرى والمدن لقتل المدنيين او تعذيبهم بشكل عشوائي، بمن في ذلك النساء والاطفال لدفع المتظاهرين على التسليم. وانتقدت تصريحات 'بوق' النظام الجميلة ريم حداد. وتقول ان الشجب العالمي للاسد لم يتبلور، فالحديث عن كارثة انسانية فقط، فيما تعثرت الجهود في الامم المتحدة لقرار ضد سورية، والاسد مرتاح في العاصمة، لانه لا يزال يتمتع بدعم الطبقة المتوسطة والاقلية المسيحية، فيما يتردد الموقف العربي الخائف من استبدال نظام يحكم منذ 40 عاما بنظام مجهول الهوية. كل هذا لا يعني وقوف العالم متفرجا على الاسد هو يقتل شعبه، فالضغوط يجب ان تبدأ، عقوبات اقتصادية حاسمة، والاسد واي فرد في فرقته له تأثير يجب استهدافهم وكذا اصدقاؤه وعائلته وشبكة اتصالاته في لندن واجبارهم على قطع صلاتهم بالرئيس العاجز عن وقف افراط حاشيته في استخدام العنف.
ودعت بريطانيا للعمل مع جيران سورية، الاردن ولبنان وحتى مصر وتونس المتحررتين من الاستبداد وتذكيرها ان ما يقوم به النظام ليس محاولة لقمع شعبه الاعزل بل لكونه خطرا على فكرة الحرية والديمقراطية في العالم العربي. والاهم من ذلك على الغرب التعاون مع تركيا التي تقول ان رئيس حكومتها خرج منتصرا وبصلاحية واسعة. فتركيا يمكنها استخدام اقتصادها وتفوقها العسكري لتهديد سورية بعواقب ما تقوم به.. وعليها ان تفهم ان اي عنف محلي ضد شعبها لن يكون جزاؤه المكافأة.
ترجمة وإعداد "القدس العربي"